Wednesday, May 23, 2007

وجهي الضائع خلف الحدود


أنت .. وجهي الضائع خلف الحدود
نحوك يممت سحابة العمر ،
فيما أطفأ الدمع نصف طريقي
.لتبقى المسافة بيننا كما هي
حروفاً مفعمة بأحزان الفقراء وأرقام ذلّ في أفراح العبيد .
خلف الحدود مدينة تبتكر الخطايا
تخفي بثوبها أكباد أطفالها المطفأة
وتركض في وجوه القابضين على الرغيف
لتستل من لحمها غيمة أغمضت ماءها
لتملأ أفواههم بالرماد
أنت.. ماء الوجود في ظمأ الروح
الكون دونك سجن يغتاب ضفائري
فامسح عنها صدأ الغربة كأرض تكاد تموت
يوشوشها المطر في الخريف .
يخضر في وجع صحرائها
فتبعث أسماؤها من جديد
ليال نبيل،
الخميس 25 مايو 2006 14:42 .

Tuesday, May 15, 2007

هذا الفتى اليماني



كتبت ليال نبيل : الخميس 24 يونيو 2004 23:17



صدفة قادتني إلى ملتقى الحوار العربي..حين وقعت عيني على صوت شعري لم يطرق سمعي من قبل في شعرنا المعاصر


على مدى مقلتيه شموس حضارة وظل مرارة وقطرة قهر....بهرني سطوع نوره وزادني انبهارا أنني كلما دنوت منه ألفيت مصدر إشعاعه لا يزال بعيدا..تتبعت الخيوط الذهبية فارتفعت بي وحلّقت ثم عادت بي من حيث أتيت ولما أصل إلى ما أريد.عندما اقتربت منه عرفته عزيز النفس سامي الهمّة متوقد العزيمة ..صريحا صادقا متأبيا...وهو على وداعته وشموخه من أكثر الناس حرصا على كرامته اذا ما استثيرت.. سريع الغضب يهتز لأقل شاردة يتوهم فيها ما يمسّه..لكنه يعود سريعا إلى روح الحمل . سأكسر ناب الصمت.. فأفرغوا آذانكم من ضجيج الشواطىء كي تسمعوا همس الأعماق.. وتطّلعوا على إلماعات سريعة لهذا القلم النابض القلب الثاثر الروح تبتدىء نقطة الضوء في حضن واد يستيقظ على صوت شجي لمؤذن القرية…في بيئة من أقوى معاقل الفقه الإسلامي.. توسّم فيه والده النجابة وقوّة الحواس في تركيبه الجسدي..فوجهه للعلم وأعانه على طلبه..ودفعه إلى تلمس معنى الحياة والتتلمذ على أيدي الشيوخ والفقهاء ..فتوطد داخله مخزون ثقافي وديني كان مرجعه في المعتقد والمثل والقيم.. أعانه عليه ذاكرة واعية تهضم كل ما تستقبل من علوم وعقلية لاقطة وذكاء لمّاح شهد له به كل من عرفه في وادي الضباب...كان صبيا في زي شيخ وقور أجاز له أساتذته عقد حلقات علم لتدريس أحاديث الرسول والصحابة وهو لم يزل فتى غضّ العود ..يحدثهم من محصول ما توصل إليه لا يبغي من وراء ذلك جزاءا ولا شكورا.يقال أن الإنسان هو ابن الظروف الاجتماعية والتاريخية ..لكنه لم يخضع يوما لقسوة الظروففأعلن التمرد على التخلف والفقر والجهل...عدّته وعتاده وعيه الثقافي.. ووقت يخجل من تعبه أمامه.. وذلك الضوء الكابي قبل امتداد القوة الكهربائية إلى قريته. فهم مروان الغفوري رسالته في الحياة فحدد أهدافها وأقامها على الإسلام...أخذ نفسه بالشدّة وروّض جسده على التعب الذي لا يعرف الراحة وطبع هواه بطابع الإيمان الذي لا يعرف النفاق... انشغل بالعلم والفقه والحديث والعبادة انشغالا استولى على مشاعره..وغذى وجدانه وعقله من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ..فتبوأ مكانة كبيرة في نفوس الجميع.كان همّه الأوحد تلال كتب ينغمس في قراءتها...يحلّ طلاسمها... يتدفأ بها في ليالي الشتاء الباردة... هنا يغرف من بحر ...وهنا يحفر في صخر.... نقّب في ثقافات عصره والعصور التي سبقته.. ووعى ثقافة أجيال تعاقبت عبر تاريخ الأدب العربي منذ الجاهلية حتى صدر الإسلام.. فأخذ من الحكمة نصيبا يمدّه بمعين لا ينضب من العلم والمعرفة والأفكار أكسبته رجولة مبكرة وثقة بذاته وصلابة في مواجهة التحديات جعلته ولي أمره قبل الأوان.كان مشهودا له بالفصاحة والبلاغة وكان حجّة في اللغة العربية وآدابها.. وغذى هذا النسغ الطيب فطرة خصّته بها الحياة ليكون لسانها...فولج عالم الشعر من بابه الواسع وجعل الحياة بكل خوالجها ومجاليها مسرحا لشعره... يذرو صورها ألقا في روح المتلقي.عرف كيف يستلم ويسلّم مفاتيح قصائده وأين يضع سرّها..فيأتي الصدى سمفونية حب رائعة تعطي دلالتها....يخفق بجناحيه في المطلق وينداح مثل شلال عذب تتدفق مياهه لتخصب الأرض بالأريج المفعم بالخصوبة والنماء.خرج من عباءة الشعر الموروث واندفع بجسارة إلى قصيدة الحداثة بمخزون لغوي هائل جمع بين الأصالة والمعاصرة..وبسليقة شعرية لا يشوبها تصنع لفظي. ظلّ ملتصقا بأرضه ولم ينقطع خيط الرحم بينه وبينها رغم رحيله عنها في طلب العلم ..فكانت حاضرة بكل زخمها وتجلياتها في قصائده..وظهر تأثير البيئة التي يستوحيها من طبيعة بلاده واعتزازه بجمال وطنه وتعلقه بسهله ووديانه وتراثه الشعبي الذي عبّ منه وكانت خميرة الثقافة الفطرية التي كان لها أثر كبير في نتاجه...فغنى آلام الحنين والشوق إلى الأرض الطيبة ومرابع الطفولة التي درج عليها في صباه وفارقها مرغما في شبابه .آمن أنه منذور للقضايا الكبرى…قضايا الحرية وتوفير لقمة الفقراء وكان يلحّ على فكرة إيقاظ الوعي والفكر مستعينا بشواهد من الماضي العربي المجيد..فجمع في يد واحدة ما بين الماء والنار..ومشى معه القلم على الورق يخاطب الآخر ويرسم صورة الوضع العربي المتردي بافتراض حسي ينهل من ذاكرة الوطن لينسج منها شكلا نابضا بالحياة....ومع أنه لم يقطع الأمل بالمستقبل فإنه لم يفصح عن تفاؤله بفجر عربي مضيء يشرق على الأمة من جديد إلا بعد أن يوشيه بغلالة من الحزن .صبغ قصائده بألوان من السخرية اللاذعة والتقريع الجارح والثورة على عبدة المال وشعوذة تجار الدين ونوائب الخُلق البشري فقرعهم بسياط ملتهبة..ونعى الذين يبزون خلق الله ادعاءا بالمفاخر الغابرة والمآثر السالفة مثلهم مثل العيس في البيداء تحمل الماء وتموت ظمأً.. واذا ألقى القصيدة حرّك الألوف بنبرات صوته فتتحمس وتتوثب مع كل بيت يسطر به ألم الضمير البشري فيما يتوهج الدم المسفوح ليضيء العالم أمامه بجودة سبك ووفرة مخيلة وعمق انفعال.